حقق الثوار في ليبيا نصرا دبلوماسيا، تمثل في اعتراف فرنسا أمس بمجلسهم الوطني ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الليبي، لكنهم واجهوا نكسة على الأرض بسيطرة القوات الموالية للزعيم معمر القذافي على مدينة الزاوية، بعد معارك استمرت أياما، وانسحابهم ايضا من مدينة راس لانوف النفطية، التي تحصنت فيها كتائب القذافي، وبينما قرر الاتحاد الأوروبي رسميا فرض عقوبات جديدة على ليبيا، قالت روسيا إن التدخل الخارجي غير مقبول، في حين قال «الصليب الأحمر»، إن ليبيا تنزلق الى حرب أهلية، فيما قال وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس، إن أعضاء حلف شمال الاطلسي اتفقوا على مواصلة التخطيط للخيارات العسكرية كافة بشأن ليبيا. وأضاف ان الحلف وافق على إعادة تمركز سفنه، لتصبح أكثر قربا من ليبيا، لكنه لن يزيد عدد السفن في البحر المتوسط.
أوروبا: لسنا عرضة «لابتزاز» نفطي
قال مفوض الطاقة في الاتحاد الأوروبي جونتر أوتينغر، أمس، إن الاتحاد لا يواجه خطر حدوث عجز نفطي، بسبب القتال في ليبيا، وإن الزعيم الليبي معمر القذافي لا يستطيع ابتزازه. وقال أوتينغر لإذاعة دويتشلاند فونك «في السوق الأوروبية بأكملها، نستورد 2٪ فقط من نفطنا من ليبيا، لذا لسنا عرضة للابتزاز من جانب القذافي». وأضاف «لدينا مصادر معقولة، بدأنا منذ أشهر تخزين النفط في أوروبا، والسوق تتمتع بالمرونة، هو الذي يعتمد علينا وليس العكس». برلين ــ رويترز
ففي باريس، اعترفت فرنسا أمس بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي، الذي يضم المعارضة ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الليبي، وأعلنت انها سترسل سفيرا الى بنغازي قريبا. وأعلن أول اعتراف من دولة غربية بالثوار، موفد المجلس الوطني الانتقالي علي العيساوي، بعد لقاء مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وقد اكدته الرئاسة الفرنسية على الفور.
وقال العيساوي «على اساس هذا الاعتراف، سنفتح ممثلية دبلوماسية وبالتالي سفارتنا في باريس وسيتم ارسال سفير لفرنسا الى بنغازي»، سيقيم بشكل انتقالي فيها قبل الانتقال الى طرابلس. وأكد قصر الاليزيه ايضا تبادل السفراء قريبا بين باريس وبنغازي، بينما أكد وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه من بروكسل ان معمر القذافي فقد صدقيته وعليه ان يرحل. وطلب رئيس المجلس الانتقالي المعارض في ليبيا مصطفى عبدالجليل، في مقابلة مع صحيفة «دي فيلت» الألمانية أمس، مساعدة المجتمع الدولي. مؤكدا أنه إن لم يحصل ذلك، فإن «القذافي سيدمر بلادنا». وجدد طلبه بإقامة منطقة حظر جوي على ليبيا، بهدف منع قوات القذافي من تنفيذ غارات تستهدف السكان، وذلك رغم تردد وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون.
ميدانيا، أفاد احد سكان الزاوية (40 كلم غرب طرابلس)، بأن المدينة باتت تخضع لسيطرة القوات الموالية للعقيد القذافي، بعد ايام من المواجهات العنيفة مع المعارضين. وقال هذا الشاهد لوكالة «فرانس برس»، في اتصال هاتفي، رافضا الكشف عن اسمه، إن المدينة حاليا تحت سيطرة الجيش الليبي. وأوضح أن المعارك توقفت والوضع هادئ في الزاوية، التي كانت أقرب معقل للثوار الى طرابلس، مشيرا الى أن الهواتف مقطوعة. وأكدت شهادة أخرى حصلت عليها وكالة «فرانس برس»، في رأس جدير، على الجانب التونسي من الحدود مع ليبيا، أن القوات الموالية للنظام تسيطر على هذه المدينة، التي يبلغ عدد سكانها 250 ألف نسمة.
وبثّ التلفزيون الليبي الرسمي، من جانبه مساء الأربعاء، صور تظاهرة ضخمة مؤيدة للنظام في الزاوية.
إلى ذلك، أعلن معارضون ليبيون أن طائرتين حربيتين تابعتين للقوات الموالية للزعيم القذافي قصفتا بلدة البريقة امس. ولم تكن البريقة هدفا للقصف لأيام عدة، وهي تقع على بعد نحو 90 كيلومترا شرق راس لانوف، التي تعرضت للقصف أيضا امس. وأكد شاهد عيان أن المعارك في راس لانوف تدور على مشارف البلدة السكنية.
وذكر شهود عيان أن قوات الزعيم الليبي أرسلت دبابتين باتجاه مواقع المعارضة المسلحة قرب راس لانوف. وأكدوا أن الدبابتين تتحركان باتجاه البلدة، وتقصفان مواقع المعارضة المسلحة. فيما ذكرت تقارير أنه تقرر إخلاء مستشفى المدينة بعد سقوط قذائف بقربه. وانسحبت مجموعات من الثوار باتجاه الشرق من راس لانوف، التي كانوا يسيطرون علها منذ الجمعة الماضية، على متن سيارات اكتظت بهم، وذلك بعد ساعات من قصف صاروخي مركز استهدف أولا غرب المدينة ثم وسطها وشرقها. وقال مصدر من المعارضة المسلحة ان قوات موالية للقذافي تطلق صواريخ من ناقلات نفط، على مواقع للمعارضة في ميناء راس لانوف النفطي.
وفي مصراتة، قال احد السكان في اتصال هاتفي، أجرته وكالة «فرانس برس»، إن هدوءا تاما يسود المدينة، بعد ان سيطر عليها الثوار، إثر معارك عنيفة مع القوات الموالية القذافي. وكانت المعارضة المسلحة قد أطلقت، في وقت سابق أمس، صواريخ باتجاه البحر، بعد أن أفادت تقارير بأن زوارق حربية ليبية بالبحر المتوسط ربما هاجمت مواقع للمعارضة، على الخط الأمامي للجبهة في الشرق.
وتحدثت أنباء عن انفجارات على بعد بضعة كيلومترات عن منشآت نفطية، كما أعلن عن معارك تقع على تخوم منطقة بن جواد. وقالت المعارضة المسلحة إنها متمركزة على مشارف بن جواد، وقرب مجمع السدرة النفطي، الذي تعرض لضربة مباشرة خلال القتال، ما أدى إلى تصاعد الدخان الأسود وألسنة اللهب. وأعلن التلفزيون الليبي أنه تم «تطهير ميناء ومطار السدرة (غرب راس لانوف)، من العناصر المسلحة المدعومة من تنظيم «القاعدة» ورفع الرايات الخضراء عليها. واتهمت السلطات الليبية، أمس، الثوار بارتكاب اعمال تنكيل، خصوصا إعدامات تعسفية في الشرق الذي يسيطر عليه المعارضون لنظام القذافي، مشددة من جديد على ارتباطهم بتنظيم «القاعدة».
وفي بروكسل، أعلنت الرئاسة المجرية الدورية للاتحاد الأوروبي أن الاتحاد انتهى، أمس، من إقرار آليات قرار فرض عقوبات جديدة على نظام العقيد الليبي معمر القذافي. ومن الممكن أن يعلن عن هذه العقوبات اليوم في الصحيفة الرسمية للاتحاد الأوروبي، ما يعني بدء سريانها. ومن بين وسائل الضغط الجديدة على نظام القذافي تجميد ممتلكات خمس مؤسسات مالية ليبية.
وفي لندن، وقبل اجتماع الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، رأى وزير الدفاع البريطاني ليام فوكس، أن هناك بدائل لتدمير الدفاعات الجوية الليبية، من اجل اقامة منطقة للحظر الجوي فوق ليبيا، تشير معلومات إلى انها من الخيارات المطروحة لليبيا. وخلافا لتصريحات أدلى بها نظير الأميركي روبرت غيتس، قال فوكس، إن مهاجمة الدفاعات الجوية الليبية قد لا تكون ضرورية، مشيرا الى منطقتي الحظر الجوي اللتين فرضتا فوق شمال العراق وجنوبه من ،1991 إلى .2003
وفي موسكو، حذر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف القوى العالمية امس من التدخل في شؤون ليبيا وغيرها من الدول الافريقية، وقال ان مثل هذا التدخل غير مقبول. من جانبها قالت وزارة الخارجية السورية، إن دمشق تعارض كل اشكال التدخل الأجنبي في الشؤون الليبية، ودعت إلى الحكمة والحوار في حل الأزمة المندلعة في ليبيا.
وجاءت هذه التطورات، بينما اتخذ النزاع بين النظام الليبي والمعارضة طابعا دبلوماسيا، عبر إرسال الطرفين مبعوثين. وفي هذا السياق، قال وزير خارجية البرتغال لويس أمادو، أمس، إنه أبلغ مبعوثاً ليبياً استقبله، بأن نظام القذافي انتهى في نظر المجتمع الدولي.
وأعلن البيت الأبيض أنه لم يقرر بعد استراتيجيته لمواجهة الأزمة الليبية، لكنه نفى الانتقادات بالتباطؤ في التحرك إزاء الانتفاضة التي تشهدها ليبيا ضد القذافي، منذ ثلاثة أسابيع.
ومع تأكيده ان كبار المسؤولين في الادارة اجتمعوا الأربعاء في البيت الأبيض، لبحث النهج الواجب اتباعه لمواجهة الأحداث في ليبيا، حاول المتحدث باسم الرئيس الأميركي باراك أوباما، غاي كارني التقليل من اهمية اللقاء.
من جهته، قال رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر جاكوب كيلينبرغر، إنه يستعد للأسوأ في ليبيا. مشيرا الى احتمال وقوع حرب أهلية. وقال كيلينبرغر، في مؤتمر صحافي في جنيف، «علينا الاستعداد للاسوأ». مشيرا إلى أنه لا مشكلة لديه في استخدام مصطلح الحرب الأهلية»، لتوصيف ما يجري في ليبيا.
وشدد «علينا دائما الاستعداد للأسوأ، وفي هذه الحالة بالذات علينا الاستعداد لتكثف المعارك».
وأضاف «يبدو لي، الآن، أننا إزاء نزاع مسلح غير دولي».